الحلقه الثامنه من برود ومطر


ليس بالأمر السهل أن تترك المرأة بيتها لأي سبب كان، وأنا شخصيا لا أشجع المرأة على ذلك، كما أني أحرص على تجنيبها الأسباب التي تدفها لفعل أمر كهذا، فالمرأة المجروحة بخنجر الخيانة، لا تملك أن تبقى أمام زوجها غالبا، فهي بحاجة إلى الإنزواء بجرحها بعيدا،

برود التي أصبحت تلميذة رائعة، بدأت تفهم سياستي في حل المشاكل، وأصبحت واعية بما يكفي لتبلور سلوكياتها بما يخدم هدفها السامي، ألا وهو استعادة زوجها من براثن امرأة لعوب،

جاءني هاتفها في وقت متأخر من الليل، هامسة: ألو...... ناعمة، أبشرج الأمور بخير، ..... بكلمج باجر، بس حبيت أطمنج....
وفي صباح ذلك اليوم، كانت برود بنشاط أكثر من المعتاد، وبدى وجهها أكثر إشراقا، نم عن سعادة غامرة، وراحة نفسية، واستقرار أمني مستتب،
ابتسمت من بعيد وهي ترمقني من انفراج الباب، بينما كانت إحدى عميلاتي تجلس أمامي، ...... انتظرت برود بهدوء، وهمت بصنع الشاي لنفسها، ثم أرسلت لي بكوب إلى المكتب، ........

فهمت من هذه الحركة أن مزاجها رايق، وأنها ستنتظر بدون تململ، وبالفعل، انتظرت برود ما يقارب الخمس وأربعين دقيقة، قبل أن تجلس إلي، ومع هذا دخلت بابتسامة عريضة، وعيون تزقزق فرحا،
- لقد فعلتها، ولقنتها درسا لا أكادها تنساه.........
- بشري، كيف صارت الأمور، .......؟؟
- لا ليس بهذه السهولة، أولا أخبريني ، كم من الوقت أمامي، لأعرف إن كنت سأحكي لك التفاصيل، أم باختصار......... فالأمر يحتاج إلى قعدة طويلة، سأستشيرك في أمور جديدة، فزوجي العزيز، كشف عن وجه آخر........!!!
- إذا هاتي من النهاية، ما هو الوجهة الآخر.........؟؟
- ماذا تقصدين...؟؟ هل يعني هذا أنه لا وقت لدي..؟؟ تريدين من الآخر، وأنا أريد أن أحكي لك بالتفصيل...!!!
- ماذا أفعل يا برود، أنت بلا موعد، وهناك عميلة قد حجزت هذه الساعة، لكن انتظري، سأرى إن كانت هناك فرصة...... فرفعت سماعة الهاتف، واتصلت بالسكرتيرة: ألو، ..... ماذا عن العميلة التالية، .......؟؟ أوه جيد، لا لابأس، سأنتظرها، دعيها تقود على راحتها، لا تستعجل، .. الله يوصلها بالسلامة.
- ها يابرود حظك جيد، عميلتي من العين، ويبدو أنها خرجت متأخرة، وستصل متأخرة، نصف ساعة على الأقل، خذي راحتك، وهاتي ما عندك........
- البارحة ياصديقتي، نفذت ما اتفقنا عليه، وقمت بوضع الظرف بالصور، على مساحة سيارتي، بعد عودتي من العمل، ثم دخلت إلى البيت بشكل طبيعي، ثم جاء هو بعدي من عمله بنصف ساعة تقريبا كالعادة، وكنت أراقبه من النافذة، لأتأكد إن كان قد لمح الظرف أم لا،
- وبعد،
- بالطبع لا حظ الظرف، ........ فنزل من سيارته وتناول الظرف، ويبدو أنه فتحه في سيارته، .....
- وبعد...
- لم يدخل سيارته إلى الكراج كالمعتاد، وإنما هم بالصعود إلى غرفتي، وكنت في هذه الأثناء ألاعب أطفالي، ليشعر أني على مايرام، وأني لا أعلم عن الأمر شيء، تنهد بارتياح، وبدا عليه القلق، فسألته: حبيبي أجهز الغداء ريثما تبدل ملابسك،...... فرد مسرعا: لا تذكرت أمرا وعلي العودة للمكتب لأجلب بعض الأوراق....... تغدي ولا تنتظريني.......
- وبعد........
- لم يتأخر كثيرا، ........... بعد أقل من ساعة عاد وهيأته تنم عن عراك، وكان ثمة خدش في رقبته، ثم نام حتى العشاء، ........ عندما دخلت إليه، لأوقظه، وجدته صاحيا، يبحلق في السقف، ثم طلب مني أن أدنو منه، وسألني: هل تحبينني حقا.......؟؟ فأجبته: أكثر من أي إنسان في هذه الدنيا، ...... وقد كنت أتحدث من قلبي، رغم ما فعله بي...... فنظر لي بعطف، واعتدل في مقامه، حتى جلس، وفتح ذراعيه لي، فأسرعت نحوه، وجلست قربه، وخدي على صدره، شعرت بالرغبة في البكاء، فقد كان موقفا غريبا، ثم سألني: هل يمكن أن يتغير حبك نحوي، لأي سبب.........؟؟ فأجبته : لا، لا أفعل ذلك، لا أتخلى عنك إلا إن تخليت عني.........
فقال: برود......... سامحيني، فقد ظلمتك كثيرا، وأرجو أن لا تسأليني عن أي شيء فعلته قبل هذا اليوم، صدقيني، لم أشعر بقيمتك في حياتي كما أحسست به اليوم، أعتقد أني سأجن إن خسرتك، .......
تذكرت كلامك ياناعمة عندما قلت لي بأن لا أستفسر كثيرا، وأدعه يتحدث، ...... باسترسال، ........ فغمرت وجهي في صدره بأمان،.......
ثم دعاني للخروج وحدنا، ورغم صعوبة الأمر بسبب الأطفال، إلا أني تصرفت، .......
كان سارحا طوال الوقت، يتصرف كالذي يعيش فترة نقاهة، تمشينا على الكرنيش، واشترى لي الآيسكريم، وأمسك بيدي وهو يتأمل البحر، واحتضنني، وشعرت به حقيقة مجروح، فقد كان سارحا، هادئا، ومتألما.......
- هل تحدثتما حول أي شيء........؟؟
- لا شيء مهم، كنت أنتظر منه أن يتحدث، كان أغلب الوقت صامتا يفكر، ويتأمل، بحزن شديد، وإن حاول التقرب مني، ورغم لمساته، إلا أني شعرت بأنه مجروح، .......... فما تفسيرك للأمر.....؟؟

- يبدو أنه قسى عليها كثيرا، ........ ورغم أن هذا سيؤلمك، لكن قطع علاقته بها، يحزنه، فالجنوبي، أكثر الناس ندما على العلاقات التي تنتهي وتولي، إنه لا ينسى بسرعة، ويبقى يتذكر الحبيبة بنوع من الألم، ...... وليس الجنوبي فقط بل كل الرجال، وحتى النساء، فتلك علاقة طويلة، احتلت مكانة ما في عقله وقلبه، وحياته، وليس من السهل أن يقطها هكذا ثم يمضي في حياته وكأن شيئا لم يكن...!!!

- أرجوك لا تقولي ذلك، هذا يولمني، هل يحزن عليها، ولا يشعر بي، كم عانيت منه، كيف له أن يشعر بالحزن لأجلها........ هل يعني ذلك أنه سيعود لها مرة أخرى، أنا حتى غير متأكدة من أنه قطع علاقته بها فعلا، أم لا ....

- موقفه معك، ينم عن أمر كهذا، فعلى ما يبدو أنه اتخذ معها إجراء، كقطع العلاقة، فما فعله معك، هو تأكيد لقراره، عندما يسألك عن حبك له، ويأتي ليأخذك معه، ويحاول التقرب إليك، إنما هي ردة فعل طبيعية، لإنسان قضى على علاقة، من أجل أن ينجو بعلاقة أخرى يرى أنها أهم بالنسبة إليه.
- هل يعني أنه فضلني عليها لأنه يحبني، ......

- إن شاء الله، لما لا، لكن هناك اعتبارات أخرى، عليك أن تنظري لها، فأنت أم أولاده، وهذه الإنسانة حاولت أن تدمر علاقته بك عن طريق تلك الصور، وهذا شكل تهديدا مرا بالنسبة له، وكما سبق أن قلت لك فالجنوبي، لا يحب المرأة المتسلطة، كما لا يحب المتآمرة، أنه يكره المرأة التي تتصرف على هذه الشاكلة، وإرسالها للصور إليك، حطم مكانتها لديه، وجعله يرى منها القبح الذي لم يكن يراه، ..... غيرتها أو هدفها في الحفاظ عليه لا يبرر لها مافعلت، لقد كادت أن تسيء إلى سمعته قبل أن تدمر علاقته بك.

- إذا لا سبيل إلى عودتها، مرة أخرى، هل خرجت نهائيا من حياتنا............؟؟؟

- غير صحيح، ....... عزيزتي برود، نحن نتعامل مع بشر، هذا ليس بالكمبيوتر، لا يمكنه أن يضغط على زر ديليت، فيتخلص من الذكرى، الأمر أعمق من ذلك، ...... للأمر علاقة بالهرمونات، ...... والعادات، والميول، كما أن له علاقة بإنسانية الشخص، فهو سيبقى حزينا عليها ويذكرها لفترة طويلة،

- يارب، يجرحني كلامك، أرجوك، بدأت أيأس، ........ علي أن أرحل الآن، أنا بحاجة إلى الجلوس وحدي...

- لما، ........ أنا لم أنهي كلامي بعد، برود عزيزتي، لن أجاملك، لأني لا أستطيع مجاملتك على حساب مصلحتك، إني أريك الواقع، عليك أن تنظري بعمق للمسألة، لكي تكوني على استعداد لكل ما سيواجهك لاحقا، ....... إن كل المشوار الذي قضيناه سابقا، لا يساوي شيء فيما سيقبل علينا من تحديات، الأمر ليس بالسهولة التي تتصورين، لدينا مشوار طويل وعلينا أن ننظر له بوعي كبير، لكي لا نخسر كل ما قمنا به، حتى الآن......

- نعم، أفهمك، لكني أيضا أتألم، أحبه، ويؤلمني أن يحب غيري ويتألم لتركها، .......

- هو أيضا يحبك، ولتعلمي أن الرجل قادر على حب أكثر من امرأة في وقت واحد، فالإنسان يحب بعدة حواس، كما يحب لعدة أسباب، وقد يكون حبه لها لأسباب جنسية، ....... بينما يحبك لأسباب نفسية، أو مغناطيسية،
- كيف، ما المغناطيسية هذه، ......... كيف يحبني بمغناطيسية، ....؟؟
- الحب الجنسي، هو أن تقدم له جنسا، يحقق لديه إشباعا لا يجده في علاقته معك، أما الحب النفسي، فهي الحب لأجل احتياج نفسي عند الإنسان، ينبع من ميول نفسي خاص عادة، أو من عقدة ما، والحب المغناطيسي، أي يحبك لأجل ما يشعر به ناحيتك من جاذبية شخصية، ..... وستجدينه جليا في حياة الخطيبين عامة
- ما رأيك أنت ما هو نوع حبه لي يا ترى، ........؟؟؟

- أعتقد والله أعلم، أنه الحب النفسي، فبعد أن كان زوجك باحثا عن ذاته، في نساء مشهورات، أصبح يحقق ذاته من خلال حبك وتقديرك له، كما وجد في حبك له علاجا لمشكلة النقص التي لا زمته لفترة طويلة، ........

- وماذا عن الحب الجنسي والمغناطيسي، هل سيبقى شاغرا في انتظار نزيلة جديدة.....؟؟

- بل سنسرع في شغل الحيز، وسأخبرك لا حقا كيف، وسأدربك على الأمر، ......

- أخبريني الآن عن أي شيء مهما كان بسيطا، لا تتركيني هكذا، أشعر بالخوف، وكأني أتدرب على المشي، وأخاف السقوط، لقد أدمنت على نصائحك، لم أعد أخطو خطوة واحدة بدونك، فلا تتخلي عني.

- إن كلامك هذا يقلقني، عليك أن تثقي في ذاتك، أنت أيضا قادرة على إيجاد الحلول، عليك أن تفعلي ذلك،

- ليس الآن، لا زلت بحاجة إلى إشارات ضوئية في دربي الطويل، كلامك الآن، جعلني أشعر بأني جاهلة، أسير في درب مظلم بلا شعلة تنيره، ........ أضيئي دربي، لأشعر بالإطمئنان،
- لن أتخلى عنك، وسأساعدك، ..... وتأكدي أنك لست بجاهلة، وإنما هناك أمورا تخفى عليك، سأشرحها لك بالتفصيل لا حقا. 
أعتقد ذلك والله أعلم، وأظن أن ثمة مرحلة لا زالت أمامك إن حدث ما نخشاه...
-كيف تعرفين ذلك........ أرجو أن لا يكون الأمر كما تقولين.......
-يا برود، ليس كل ما أقوله حقيقة، إنما هي استنتاجات أبنيها على معطيات فقط، فلا تنظري لي هكذا، أنظري غاليتي، زوجك شخصية جنوبية، وهؤلاء يولدون وفي أجسادهم استعداد جيني للإدمان، جهازهم العصبي مؤهل للأمر أكثر من غيرهم من الشخصيات، رغما عنهم، كما أن أجهزة الشماليين العصبية تكون مجهزة أكثر للتسلط، هل فهمت، لكن هذا لا يبرر أفعالهم بالطبع، لكنه يبرر اتجاههم الغير سوي لعلاج أمور حياتهم، مثلا الشمالي كان بإمكانه أن لا يتسلط، ويصبح إنسانا بهدي الله أفضل ، وكذلك الجنوبي بإمكانه بدلا من التعويض بالإدمان، أن يواجه الأمر، ويثبت....؟؟؟
-وهل من علاج، ..؟؟
-نعم ، فما أنزل الله من داء إلا وله دواء، ........ لكن دعينا نأمل أن لا يكون شيئا من هذا قد حصل، وأن يعود أفضل مما كان.......
-أنت تعلمين، أنه رقيق القلب ولا يحتمل الصدمات، أشعر كثيرا أني أقوى منه، لكني أحببت قلبه الطيب، وسماحته، ...... تعلمين لم أكن أرى تلك الشهامة التي في نفسه، عندما أتذكر يوم أدخل السيارة المرآب إذ كنت حاملا، وأطعمني طبق الرز، وأفكر كيف لم أفكر يومها بأن في داخل هذا الرجل خصال طيبة، كيف لم ألاحظ.....!!!
-لا بأس الإنسان غير معصوم من الخطأ، ..... وها أنت لا زلت بخير، وسيعود بإذن الله.....
-أصدقيني القول، هل يمكن أن يكون شاذا......
-لا يمكن، ذلك احتمال 1% فقط، أي نارد الحدوث، فالجنوبي الجنوبي، به خصال خاصة جدا، لا يمكنه معها أن يعاشر اثنتين على فراش واحد، وهو عاطفي، وجنسانيته العالية هي ثمرة عاطفته الجياشة، والمعاشرة الجماعية، تكون من نصيب الرجال المتخصصين في ذلك لأجل الدعارة، أو رجال لديهم مشاكل جنسية، وزوجك لا يحمل أيا منها.
-متأكدة....... ( وتنظر في وجهي)
-لا أجاملك، أقول الصدق، فإن وددت مجاملتك، صارحتك لكن برفق، .....
-جيد، أعرف ذلك، فقط أحببت التأكد، .. وماذا عن الصورة، كيف يتصور معها عاريا..
-أعتقد أنها صورت له خلسة، دون أن يعرف، لربما كانت تصور (فيديو)، في الخفاء، وانتقت هذه الصورة بالذات ليبدو فيها واضحا بينما لا يتضح وجهها، .....
-نعم، لعلها كذلك، ....... طلبت من السائق إحضار الصورة، فقد حصل على واحدة، تصوري، السائق على علم بالأمر..
-لا بأس، السائق مصيره الرحيل، ولن يذكركم.......
-هل سترين الصورة، ....
-لا بالطبع لا، .... فهو عار فيها، تعلمين حكم الأمر، لكن يمكنك النظر فيها وتصفين لي الزاوية التي صور منها، لأتأكد إن كان صور في الخفاء أم لا... ثم إن زوجك لو كان يعلم بهذه الصور لكان أخذها منها قبل قطع العلاقة، فالرجال بارعين في هذا الأمر.....
-تعتقدين، ..........

وبينما نحن نتحدث رن جوالها، تلك أخته التي شتمتني البارحة، هل أرد عليها، ..... فقلت لها: ردي ولم لا،
-ألو......، نعم، لا بأس، حصل خير، .... نعم، لم يعد يهمني الآن سوى أن أطمئن عليه، لا أعلم أي شيء، حاولت لا أحد يرد، ........ بإذن الله.
ثم أغلقت الخط وقالت: تلك أخته تعتذر مني، تعلمين سامحتها منذ البارحة، ...!!
ثم رن هاتفها من جديد: إنه شقيقه، لعله وجده،
-ألو......... نعم، .........الحمد لله، وأين أنت الآن.. جيد، .......

ونظرت إلي فرحة مبتسمة: لقد وجدوه، وهم في الطريق إلى البيت، ....... الحمد لله، .....
-الحمد لله، إذا دعيني أستأذن الآن، وطمنيني عليه،
-ابقي معي .. فأنا بحاجة لك..
-لدي عمل كثير، وستكوني مشغولة معهم، بيننا اتصال...
-إن شاء الله، .... لا أعرف كيف أشكرك، منذ أن تركت برود، وأنا أفكر، كيف يمكنني مساعدتها، لو كنا فقط نعلم أين تقيم ليزا، لنتمكن من إنهاء هذا الكابوس، ففي قرارة نفسي أعلم كيف تتصرف مثل هذه الشخصيات، إنها لا تتوقف حتى تأتي النار على كل ما حولها، إنها لا تملك اليوم ما تخسره، عندما ينفجر بركان الغضب في داخلها، فهي لا تعود تسمع أو ترى، إرادة الإنتقام وحدها التي تعمل وتحركها، .. إذا فلا بد أنها تخطط لأمر ما، ولا يمكننا الوقوف صامتين، نتلقى ضرباتها الواحدة تلو الأخرى لا نحرك ساكنا، ...... فكرت في أن أبدأ في طلب المساعدة من أحد المختصين في الأمر، ...... فلي علاقات طيبة في كل مكان، ... ولله الحمد والمنة ، رفعت السماعة واتصلت بصديقة تشغل منصبا طيبا في الشرطة، لأستشيرها في الأمر، وأرى إن كان بإمكانها المساعدة، وهذا كان ردها،
-نعم بكل تأكيد سأفعل ما بوسعي لأساعد، لكن في نهاية الأمر لا يمكن اتخاذ أية إجراءات عملية بدون بلاغ رسمي، كما تعلمين،........
-لا بأس يكفي أن نعرف بعض المعلومات بداية، ثم سنرى إن كان من الأفضل رفع بلاغ رسمي أم لا.
كانت برود في هذه الأثناء تستعد للقاء زوجها، الذي أدخل محمولا على كتف شقيقيه، وقد غادر أحدهما البيت بصمت بمجرد أن أصبح مطر في سريره، دون أن يسلم حتى على برود، وكأنه يخاصم كل من له علاقة بمطر، .. بينما بقي الشقيق الآخر، ليتحدث إليها: كما ترين، إنه سكران، ... وكأن السكر سيحل المشكلة، .. لا تدخلي إليه في هذه الفترة، فقد بدا عنيفا جدا هذا الصباح، .... انتظري حتى يفيق من سكره، ...
أومأت برود بالموافقة، ثم تابع حديثه: لعلك تعرفين أي شيء عن هذه الليزا، أي شيء قد يساعدنا في التوصل إليها، ..
-لست أعرف أكثر مما تعرفون، ......
-قلت لوالدتي أنك مطلعة على بعض التفاصيل،
-القليل فقط، ولكني لا أعرف أكثر، .....
-طيب إن تذكرت أي شيء هاتفيني، .....
-نعم، إن كان الأمر مهما، فقد اتصلت بي صباح البارحة، وأخبرتني كلاما سيئا عن مطر، لكن الرقم الذي ظهر على الكاشف، كان عموميا، على ما أظن،
-أين الهاتف،
-هناك،
-هل يمكنني إلقاء نظرة،
-بالطبع تفضل،
بدأ الشقيق يسجل الرقم قائلا: على الأقل سنعرف المنطقة التي اتصلت منها، ..... لعل وعسى....
-هل تفكرون في الشكوى ضدها.
-نخشى أن تتطور الأمور أكثر، ثم إننا حتى الآن لا نملك دليلا على أنها الفاعلة، ....
-لا بد ستجدون، ثم لا مصلحة لأي أحد غيرها أن يفعل ذلك، وسبق أن هددت مطر، ....
-هددته، ..... هل تقولين أنها هددته، كيف علمت....؟؟
-سمعتهما مرة كان يحدثها بصوت عالي، وسمعت...
-أمممممممم، نعم، ..... طيب كما أوصيتك لا تحاولي الحديث معه الآن، وإن حصل شيء اتصلي بي فورا، ......
-إن شاء الله......




وبينما كان يغادر دخلت شقيقة مطر: السلام عليكم، ... كيف حالكما..... أين مطر،
-في الأعلى، لا يستطيع الكلام، وهو نائم الآن،
-أردت الإطمئنان عليه، شغلني أمره، زوجي في السيارة، ووالدته، جاءا للإطمئنان عليه، .. هل يمكنهما الدخول يا برود،
قالت برود: نعم، ثم وجهت الحديث للشقيق: ليتك تبقى لتستقبل زوج شقيقتك ،
قال متعبا: نعم سأبقى، ... اتصلي بزوجتي لتأتي، لعلها تساعدك، يبدو أن الكثير من الزوار سيتوافدون اليوم.
- سأفعل..


وهمت برود بالإستعداد لاستقبال عمة شقيقة مطر، وهي تحدث نفسها، بأن الناس لا تزال بخير، إنهم قلقون بشأن مطر، فيما كانت تعتقد أنهم سيشمتون، يبدو أن الشقيقة أيضا، أصبحت أكثر هدوءا عندما اطمأنت إلى أن زوجها وأهلها تعاطفوا معها في النهاية بدلا من السخرية منها....!!!
خلال دقائق قليلة، كان البيت يعج بالزائرين، شقيقة مطر، وأم زوجها، وزوجات أشقاء مطر جميعا، واثنتين من أقربائه كبار السن ( عمته وخالته) وأم برود،
الجميع يسأل عن مطر، وله عمة حنونة، تحبه كثيرا: أين ابن أخي الحبيب، أكثر إخوانه طيبة، وصلة للرحم، ذلك الذي يسميني أمي الكبيرة، أين هو، قالوا بأنه اختفى طوال الليل، فقمت أصلي وأدعو له عسى أن يرأف الله بحالة، لا يستحق ما ألم به، هذا أطيب الناس، يا عسى الله يفرج عنه، دعوني أصعد إليه، أريد أن أراه، وأطمئن عليه بنفسي، أريد أن تقر عيني به، ....

لكن شقيقة مطر قالت: لا ياعمتي، ليس الآن، إنه متعب، ونائم، تأكدي أنه بخير، اتركيه يرتاح، وعندما يفيق سنصعد له جميعا، ونسلم عليه، .....
قالت خالته: لماذا فعل بنفسه هذا، كيف يعرض نفسه وسمعته وسمعة أهله لهذا الهلاك، أريد أن أراه لأقتلع عينيه، طوال عمره مدلل، ولا يبالي، دائما هو هكذا، .. لديه زوجة كالشهد، وأطفال كالملائكة، فماذا يريد بعد، فيما يرغب أكثر، .. طوال عمره طماع، ويريد أن يجرب من هذا وذاك، لا يقنع ولا يشبع، ....

-ادعوا له بالهداية، ثم إني لست متأكدة من هذا الكلام، لعلها تلك الفاسقة تدعي عليه، لعلها صورت شخصا آخر واتهمته، أبنائي يقولون إن الصور مزورة، يعني أنها لعبت بها،
-لا مزورة ولا غيره، الصورة كانت واضحة، وعرضها ابني على مصور محترف وقال الصورة حقيقية، ....
-يا أختي الرجل في حال لا يعلمها إلا الله، فادعي له بالهداية، ثم إنها فعلت ذلك به لأنه تاب، فاستغفري الله، أنت امرأة مصلية، فلا تتكلمي في أعراض الناس، ...

-من قهري وغصتي، أختي هناك في المستشفى بين الحياة والموت، بسبب أفعاله، دائما يفعل ما يجلب الشقاء، شقي منذ كان صغيرا، واتعبها كبيرا، ماذا يريد، ماذا ينقصها برود، دنيء طوال عمره دنيء.

دخلت برود إلى المطبخ صامتة، وتبعتها والدتها، ....... وضعت أمها يديها الحانيتين على كتف برود، فما أن أحست بها برود حتى ارتمت في حضنها، وبكت، .........
قالت الأم: لماذا لم تخبريني بالأمر مسبقا، ....؟؟
-لم أشأ أن أزعجك، ثم إنه تاب، أقسم لك أنه تركها...
-نعم، لكن بعد ماذا...؟؟ فضحنا،.. وأحرجنا أمام من يسوى ومن لا يسوى، وأخوانك يرغبون في تطليقك منه،
-لا يا أمي إلا هذا، أرجوك، أنا أحبه، ولا زلت أريده، هذا أب أبنائي، لا أستطيع تركه أبدا.
-وأنا أقول أيضا، لا تتطلقي، لكن أخوك الأكبر بالذات، مصر، وأرسلني لأعود بك، قلت أجلس عندك هنا كم يوم، ريثما يهدأ، أحضرت حقيبتي في السيارة، ما رأيك، ...؟؟
-لا أعرف كيف أشكرك يا أمي، نعم أنا في أشد الحاجة إليك الآن، ابقي معي ما شئت، وجودك سيريحني، ولعله يريح مطر أيضا، فأنت تعلمين أنه يحبك....
-مطر، ...... بت أكره اسمه إن صدقتني، كنت أحبه كثيرا، لأنك تحرصين على مدحه أمامي، اعتقدت أنه يوفر لك كل سبل السعادة، والآن بعد أن اكتشفت الأمر، بت أراه نتنا، وما عدت أرغب في رؤيته، بقائي هنا لأجلك يا نظر عيني، كلما فكرت في وضعك أبكي على حظك، .. حسبي الله ونعم الوكيل على من كان السبب...
-أمي، صدقيني، رغم كل ما فعله مطر، أنا سعيدة معه، وأحبه حبا كبيرا، وأرغب في العيش معه، مطر رغم خيانته لي لم يجرح شعوري يوما، ولم أكن أشعر بها، صدقيني، قد يكون مر بنزوة معها، لأني كنت أعاني من نزيف، تذكرين ذلك النزيف، وهو رجل، لربما هذا ما حدث، لكنه عاد إلي، ولهذا تحاربه، .....
-وماذا ستقولين للناس، هل ستخبرين الناس كل الناس هذا الكلام، و من تراه يتفهم..؟؟، الناس عليها بالظاهر، ...
-ماذا عساي أفعل، هل أتخلى عنه، لدي أطفال منه، ..
-أنا معك، أي اختيار تختارينه، سأكون معك فيه، .. لكن ماذا أقول لإخوتك...
-إخوتي، ليسوا أفضل حالا منه، الفرق الوحيد أن مطر افتضح أمره، بينما هم لا زال الله حليم عليهم، ...........
-لا تقولي هذا أمامي، إخوتك لا يفعلون أمورا كهذه، لا تجعلي غضبك يجرك إلى ظلمهم، ......
دخلت مريم زوجة أحد أشقاء مطر: برود، هل يمكنك تقديم إبريق شاي أخر، فقد انتهى الأول.
-نعم، سأخبر الخادمة لتعد واحدا آخر، لحظات،
ثم قالت لأمها: هيا بنا، لا يجوز أن نترك الناس تنتظر في الخارج


قالت أم برود هامسة: هيا، هل أطلب من السائق إنزال الحقائب، هل أنت متأكدة أنك تريدين بقائي،
- نعم يا أمي، بل أرجوك، والآن، دعيني أدخل للضيوف، واجعلي الخادمة تجلب الحقائب من الباب الخلفي، هناك، ...
- طيب،



عند دخول برود ، سمعت عمة مطر تقول: كيف لا ينحرف الرجال، والنساء لم يعدن كالسابق، كل واحدة منهن حملت شنطتها على كتفها وخرجت تركض على وظيفتها، متناسية بيتها وأولادها، وزوجها...؟؟؟ هذه المرأة التي تعمل ليل نهار، في الوظيفة ثم في البيت، وآخر النهار تدور في السوق، كأنه دوام رسمي آخر، هذه المرأة ماذا يتبقى لزوجها منها، مهما كان الإنسان في النهاية طاقة، يعني ماذا سيحصل لو أنها تجلس في البيت ( تجابل) أولادها وزوجها، .. (ماكان أخير لها، فلوس وعندهم ما ناقصهم شي).

ردت خالته: رياييل ( رجال) اليوم لا يريدون ربة المنزل، يريدون الموظفة، يريدونها متعلمة ومثقفة.
- لم نقل أن لا تتثقف لكن تنهي جامعتها وتلزم بيتها،
- وما فايدة الشهادة إذا..
- (علشان تقنع، وتعلم اعيالها، ... بالذمة اللحين اللي تشتغل مرتاحة في حياتها...)

نظرت مريم إلى العمة، ولأول مرة أرادت الدخول في هذا النقاش، قائلة: شوفي يا عمتي، الرجل العايب، شو ماتسويلة بنت الناس ما يعجبه، واللي عجز أهله يربونه، بنت الناس مب ملزومة تربيه، ......
ردت العمة غاضبة: ولد أخوية مرباي، وأحسن من مليون ريال غيرة، .. لكن الحرمة إذا ما دايرة بالها على بيتها، لازم الريال بطالع برا، ......... ( ثم تنهنهت) إهي، إهي، منفطر قلبي عليه، الله يشلع قلبج من مكانه يا ليزوه، ...... يوم هو مب مرتاح ويا برود، وما قايمة بواجبه، ليته ياني، وقالي عمتي شوفي لي حرمة ثانية، الحريم مكودات ( كثيرات) .. وكل وحدة أحلى من الثانية، بس ما أقول غير حسبي الله على اللي كانت السبب....!!!

نظرت لها برود غير مبالية وقالت: كيف حال ابنتك فلانه، هل لازالت في بيتكم، منذ أن تركت بيتها قبل عامين، .........!!!
فهمت العمة المقصد، فقالت: بنتي الله يفرج كربتها، زوجها مب ريال، بعدها عذرا الله يسلمج، ولا راضي يطلق، والمحاكم ما لنا فيها، ...... وشوفت عينج، هذا حنا مكتفين، ما نقدر نسوي شي، .....
قالت مريم متهكمة: وليش ما تحاول بنتج تصلح الريال، يمكن عنده حالة نفسية، ليش ما تعالجه، .. ولا هيه غير...!!

فقامت العمة من مجلسها قائلة: أنا سايرة الميلس عند ولد أخوي، اليلسة وياكن غثة، ...
قالت برود: المجلس مزدحم بالشباب، أصدقاء مطر كلهم هنا......
- هيه، يا حليلهم، جي ( هكذا ) الربع ( الأصدقاء )، عيل يوم هم ربعة، جيه ما يزخون هاليزوه........... حسبي الله عليها.......


تأخر مطر في النهوض، وربما قصد ذلك عندما شعر بوجود كل هؤلاء الناس في المنزل...... وبعد الظهر اتجه الجميع للإطمئنان على أم مطر المقيمة مذ ذاك الحين في المستشفى، ..... وبقيت برود، التي وجدتها فرصة لتتحدث إلى مطر، حيث أفاق، وبقي في غرفته صامتا لا يتحدث، ......

دخلت برود بهدوء، وسألته بشكل عادي: هل ترغب في تناول الطعام في الغرفة، هل أحضره لك...
لكن مطر لم يرد، فقط غادر السرير إلى الحمام، بلا أية كلمة، ......
بقيت برود قلقة، ..... حتى إذا خرج، ارتدى ملابسه ليخرج، ....لكنها استوقفته، وقالت : إلى أين، لن أسمح لك بالخروج، ..... حتى تخبرني إلى أين......

نظر إليها مطر بغضب، ثم شد ملابسه من بين يديها، .. لكنها أصرت وأمسكت بها: لا، لا تعذبني معك أكثر، لقد قلقت عليك طوال الليل، لن أتركك تخرج ... أو أخرج معك،...

ترك الملابس من بين يديها ثم جلس على طرف السرير وهو ينفخ بغضب، ... اقتربت منه قليلا وقالت: ما رأيك أن نذهب لزيارة والدتك، .... لابد أنها تسأل عنك، لعلك برضاها عليك يفرج الله عنك .. هيا نذهب، عليك أن تثبت لها أن كل ما سمعته من كلام غير صحيح، .. هيا استحم، واحلق، وتعطر ودعنا نخرج لزيارتها، ....



فسقط مطر على جانبه الأيمن فوق السرير، وكأنه ورقة هزيلة، ودس وجهه بين ذراعية، فاقتربت منه: هروبك سيؤكد الأمر، بينما خروجك للناس، سيثبت العكس، .. على كل حال، بقاؤك هنا لن يعالج المشكلة، .. أتعلم من زارنا اليوم، كل أصحابك، وأقرابائنا، كلهم، أمي أيضا جاءت، وإخوتي، كل من علم بالأمر جاؤوا ليخبروك أن ما حدث لن يغير مكانتك في قلوبهم، فأنت بشخصيتك الإجتماعية وطيبة قلبك، جعلت لك مكانة خاصة في قلوبهم، لا يحطمها أي شيء، ثم أصبح الكل يعلم أنها نزوة، وعندما تبت وحسمتها، كان جزاؤك انقامها، .. أصبحت أفضل منهم، فمنهم من يخون ولا يتوب، توبتك كانت السبب في ما أنت فيه، عليك أن تفتخر، بذلك..

بقي مطر صامتا للحظات، ....... ثم هم بارتداء ملابسه من جديد، ..... سألت برود: وأنا أيضا، ..؟؟ فأشار لها بالموافقة، .... فسألت من جديد: أليس من الأفضل لو أنك تستحم، .... فنظر لنفسه، ثم ابتسم، ودخل من فوره إلى الحمام، .....

هكذا تعالج الأمور، أن نبسطها، نجعلها أقل جللا أقل وطئا، نبتعد عن كل من يبالغ، ويصعب الحياة، ..... نحن من نقيم الأمور ونصنفها، نحن من نقول هذه مصيبة، أو عارض، ..... نحن من نضع الأمور في نصابها، .....
نحن نكيل، ونقيس، نحن من اخترعنا المكاييل والمقاييس، .....

في السيارة تقول برود كان يقود وهو في عالم آخر، ....... ثم مد يديه، وأمسك بيديها، ..... حتى إذا وصلا إلى هناك، ووجد الأحبة من أصحاب وأقرباء مجتمعون، كش قليلا، لكن ترحيبهم به، شجعه على الوقوف بقوة، جر نفسا عميقا، وسلم ............

في غرفة والدته كان كل شيء على ما يرام، فوالدته لا تعلم عن أمر الصورة أي شيء، لكن عجوزا كبيرة، صديقة لأمه، عندما هم بالمغادرة مع زوجته، لحقت به خارج الغرفة وقالت له: لا يغرك ضحك الناس في وجهك، الناس تلوك سيرتك وراءك ، العاقل يمشي بخط مستقيم لكي لا يسمح لعدوه بالضحك عليه، ....!!! ثم نظرت إلى برود، وواصلت كلامها لمطر: العمى عمى البصيرة، وإلا بنت الناس زوجتك ماذا يعيبها، لتجري خلف الفاسدة، أم أنكم صرتم تحبون الخبائث والمضرة لأنفسكم، العدو الوحيد لك يا مطر نفسك، من يوم كنت صغير وأنت غرورك مضيعنك....


صعدت برود إلى زوجها، الذي كان مستلقيا على الصوفا في غرفة النوم، سارحا، وكأنه طفل صغير ضائع، .. كانت في تلك اللحظات تفكر في كلامي، وشعرت بالتردد، كم تود لو أنها تخفف عنه في الوقت الحالي، وكم تخشى أن يؤثر ذلك على اعتباراته لها...

نظرت إليه، ثم انصرفت نحو زاوية الغرفة، فسمعته يقول: أستغرب هدوءك يا برود، وكأنك كنت على علم بكل شيء، .......... ثم اعتدل في جلسته، وواصل الكلام: كنت أخفي عنك قدر استطاعتي، لكي لا أخسرك، تخيلت أنك ستقيمين الدنيا لو علمت، تخيلت أنك ستتركينني وتتخلين عني........ هل كنت تعلمين بأمرها من قبل.....؟؟

صمتت برود، واكتفت بنظرة ذات معنى، فواصل الكلام: قالت لي بأنها أرسلت الصور إليك، ولم تضعها على السيارة، ........ هل كنت تعلمين بشأن الصور...... هل أنت من وضعها على مسّاحة السيارة...؟؟

لكن برود واصلت الصمت ، وبقيت عينيها تعترفان بكبرياء........
- إذا فقد كنت تعلمين، ....... ومع هذا......... لكن كيف، كيف أمكنك فعل هذا.... كيف أمكنك اللعب بهذا البرود، والهدوء....
- لم أكن أعلم الكثير، كل ما رأيته هو الصور، فقط الصور.....
- هل أنت متأكدة، ألست أنت من كانت تراسلني..
- أية رسائل....
- ثمة امرأة كانت تراسلني، هل كنت أنت...
- لا لست أنا، ولا أعرف عن الأمر شيء،
- فقط الصور، رأيتها، .... وتألمت، ........ لكني أحببتك، فآثرت الصمت، لأنك تغيرت .......كنت قد تغيرت كثيرا، حتى أني سامحتك على كل ما بدر منك قبل ذلك.....
- لا أصدق، ...... رأيت الصور...... وبقيت هادئة......
- نعم وما الجديد، فقد كنت أعلم عن كل علاقاتك ونزواتك، ... كنت بقصد أو بدون قصد، تترك هاتفك يرن ويرن، وأسماءهن تظهر على الشاشة أمامي، ..... وقد قررت أخيرا تركك للأبد، لكني، أردت أن أعطيك فرصة أخيرة، عندما بدأنا نغير مسار علاقتنا، فبمجرد أن استجبت وعدت لي، كنت قد فزت بالفرصة الأخيرة......
- أية فرصة، ........
- عندما علمت بأمر ليزا، بالمصادفة،....بعدها قررت تركك نهائيا، أقسم أني كنت أنوي الطلاق، بلا رجعة، لكني قررت أن أعطيك فرصة أخيرة، وبدأت بزيارة استشارية أسرية، ساعدتني في الحقيقة على فهمك، ووجدت أنك استجبت، أحببت الأمر، وأحببتك أكثر من ذي قبل، وقررت أن أنسى كل ما حدث منك سابقا، لقد نصحتني بأن أسامحك لوجه الله، تسامحا عميقا، .. فسامحتك، وعندما أرسلت ليزا الصور في ذلك اليوم، وجدت أن كل التواريخ قديمة، فأيقنت أنك لي، وأن موقفها ينم عن ضعف، فقررت أن أنسى أمر الصور، وكأني لم أرها.......
- إذا لما لم تتخلصي منها، لماذا تركتها على مساحة السيارة، .......
- لأنها كانت قد أرسلتها، ..... وكنت ستعلم أنها أرسلتها، وكنت لا أريدك أن تعلم أني رأيتها، أردتك أن تعتقد بأن صورتك الجميلة لازالت في قلبي، ... و....
- وكنت أمامك كالمغفل.......
- لا ... لم أرك كذلك أبدا، كنت أنظر إلى زوجي وحبيبي، الذي علي أن أنجو به، من براثنها........
قطع حديثهما جرس هاتف المنزل الداخلي، ...... ردت برود: نعم ريتا، ... متى، .......أين هو....؟؟ نعم، قادمة.......
قال مطر بقلق: ماذا حدث......؟؟
- هذه ريتا، تقول بأن أخي الأكبر هنا، .. يريدني، ..... ولعله يريد مقابلتك.......
- ماذا يريد، ألم تقولي أنه كان هنا هذا الصباح، ...
- لا لم يكن موجودا، فقط أخوي الأصغرين جاءا.......
- نعم، لكني لا أرغب في رؤية أحد الآن.......
- مطر.... أخي ينوي أخذي من البيت، ينوي تطليقي منك.... أجد أنك لو نزلت للحديث معه، قد يصرف النظر..
- ماذا....... ماهذا الكلام، أي طلاق،....... ومن يظن نفسه ليفعل ذلك..... ليس من حقه..... وإن كان الأمر كذلك فلينتظر...... أو أخرج وأطرده من المنزل.......
- لماذا تطرده، تحدث معه، افهم وجهة نظره، ...ضع نفسك مكانه، .......
جزء مني يا صديقتي، أراد أن يتعرض مطر للسب والشتائم على يدي أخي فأنا أعرف كيف هو، تمنيت لو يمزقه، ... أحيانا أستغرب نفسي، فأنا لم أطق ما أصابه على يدي ليزا، لكني أتمنى لو يقوم أخي بضربه، كما نضرب أولادنا خوفا عليهم، أو جزاء لهم على شقاوتهم...... أردت أن يضربه، ليأدبه، أحيانا لا أعرف كيف أفكر....... لكني تمنيت ذلك......ّ!!!!

كانت والدتي في الطابق السفلي تحاول تهدئة أخي، ... وفهمت لماذا أصرت أمي على الإقامة عندي، فهي كانت تعرف أنه سيأتي، وأحبت أن تكون هنا لتتجنب الألم قدر استطاعتها....

نزلت أنا أولا، وكان أخي يجلس هناك في الصالون، مضى وقت طويل منذ أن رأيته آخر مره، فهو دائما مسافر، ... كان وجهه مختلفا، بدا أبوياً أكثر من ذي قبل، بل في عينيه نظرة خاصة نحوي، أحاطتني بالحنان والعناية وهو يرقبني وأنا أنزل السلالم، ........

- كيف حالك يا برود.........
- بخير، كيف حالك أنت........
- هل تفسرين لي سبب بقائك هنا حتى هذه اللحظة....
- ولما لا أبقى، وأين أذهب...
- تعودين لبيت والدك، حتى نتفاهم معه، والآن احملي حقائبك، وتعالي معي أنت وأبنائك...
- ماهذا الكلام يا أخي، زوجي في وضع صعب، لا أستطيع تركه.......
- أي وضع صعب، هذا الوضع هو من اختاره لنفسه، ... وأنت غير مسؤولة عنه، عليه أن يتحمل نتائج أفعاله وحده، ما ذنبك أنت فيما حدث، لماذا تتحملين نظرات الناس وإهاناتهم، لمي ملابسك والحقي بي إلى السيارة.......
- لكن يا أخي، لا أستطيع فعل ذلك، الأمر جد حساس، أرجوك تفهم وضعي، ......
- قلت لك وبلا نقاش، لمي ملابسك وهيا بنا........
- لن أفعل....... لن تتحكم في حياتي وقراراتي، ليس من جديد....... ( وبكت برود)
لاحظ الأخ انفعالها، وأدرك حالها...... وقال: أعلم أنك لا زلت غاضبة علينا، ...... وأرى لومك المر لي أنا بالذات في كل مرة أقابلك فيها، حتى بت أتحاشى النظر في عينيك، ..... كنا شبابا، وكانت لنا أفكارا لا أعرف كيف، أو من أي نوع، ......... أعترف أنا ظلمناك وأسأنا إليك، .... وليتك تسامحيننا، وأنا بالذات، كنت أعتقد أني أفعل ذلك لصالحك...... والله لا أعرف كيف كنت، ..... لكن اليوم، وأنا أرى ابنتي البكر قد باتت امرأة، .. وأرى خوفي عليها، وعطفي وحبي لها، أتذكرك، وأتحسر على مافعلته بك، يكويني الندم على كل كلمة جرحتك بها، وأشعر أني قد خنت الأمانة التي حملني والدي، فقد أسأت إلى ابنته، وأفكر ماذا يحدث بابنتي لو توفيت، هل سيسيء إخوتها إليها، أشعر بالرعب، وأفكر في الإعتذار لك، لكن كبري يمنعني، .... أريد أن تسامحيني يا برود، وقد تكلمت مع إخوتك جميعا، لنحتسب لك نصيبا من مشروعنا، ... نصيبا موثقا، عوضا عن كل ما أخذناه سابقا منك، لعل ذلك يغفر لنا ...
( نظرت برود إليه غير مصدقة، وكانت تزم شفتيها بقوة متحاشية البكاء، .. وتلم عضلات صدرها، وتشد على قبضة يدها، وكأنها تمسك أعصابها من الفلتان، إذ أن الموقف أكبر بكثير من المحتمل) فاقترب منها شقيقها، وأحاطها بذراعيه، ومسح برفق على ظهرها، وهمس لها:

اليوم يا أختي أريد أن أوفي وعدي لأبي، أريد أن أقف معك، وكأنك ابنتي، وأن أدافع عنك، اسمحي لي أن أفعل ذلك..... أنا لا أنوي حرمانك من زوجك، وأبنائك، لكن زوجك يحتاج إلى تأديب، وصدقيني، وقفتك معه في هذا الموقف، بقدر ماتبدو ايجابية، إلا أن الرجل بشكل عام لا يقدرها كثيرا، إن للرجل فكر مختلف، ...... اسأليني، أنا أعلم بهم منك...... دعينا نتصرف، وابقي أنت خارج الموضوع، لكي لا يحقد عليك، لا توافقينا الرأي ولا تعاندينا، فقط اكتفي بالصمت، وأشعريه أنك معه، فيما سنضغط عليه نحن بطريقتنا، ليشعر بالخوف، لعله بذلك يعرف قيمتك...
كانت برود ترتجف بين يدي أخيها، وكانت تيارات من المشاعر، وسيول من البكاء، وفيضانات من الدموع، ترغب أن ينفك سدها فتغرق برود، فضمها شقيقها أكثر، حتى انهارت حصونها، فطوقته بذراعيها، وبدأت تبكي بشدة، ....... وأبكت معها الخادمة التي كانت تقف بعيدا تتجسس كعادتها......!!!!

وأخيرا أصبح لبرود اليتيمة، أب .......... أخيرا، حدث أمر مشرق، بزغ من بين تلك الغيوم السوداء الحالكة
* ملاحظة : مريم هي إحدى الحاضرات في ذلك اليوم في بيت برود ومطر وهي إحدى أفراد العائلة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة